استطاعت صواريخ المقاومة الفلسطينية المصنعة محلياً، لاسيما صواريخ "القسام" التي أطلقها الجناح العسكري لحركة "حماس" بغزارة خلال الأسبوعين الماضيين على المغتصبات الصهيونية القريبة من قطاع غزة؛ أن تفرض نفسها كسلاح استراتيجي مهمّ بيد المقاومة، كان له صدى لا يخفى لدى الطرف الصهيوني، والذي انعكس بوضوح في تصريحات مسؤوليه الحكوميين والأمنيين وتصرّفاتهم، وقراءات محلليه العسكريين، ومقالات كتابه الصحفيين.
ويبدو أنّ كثافة نيران الصواريخ القسامية وما أحدثته من زلزال نفسي لدى الشارع الصهيوني، وخصوصاً سكان المغتصبات المستهدفة، واستمرارها في الانطلاق من غزة رغم غارات طائرات الاحتلال، وحملات الاغتيالات التي تشنها جوّاً؛ قد استدعت المعلق العسكري الصهيوني دانيال للإقرار بانتصار حركة "حماس" في ما أسماه "معركة الصواريخ"، معللاً ذلك بقدرة كتائب القسام على الاستمرار في إطلاق الصواريخ بلا توقف، رغم عمليات جيش الاحتلال.
ويبدو أنّ كثافة نيران الصواريخ القسامية وما أحدثته من زلزال نفسي لدى الشارع الصهيوني، وخصوصاً سكان المغتصبات المستهدفة، واستمرارها في الانطلاق من غزة رغم غارات طائرات الاحتلال، وحملات الاغتيالات التي تشنها جوّاً؛ قد استدعت المعلق العسكري الصهيوني دانيال للإقرار بانتصار حركة "حماس" في ما أسماه "معركة الصواريخ"، معللاً ذلك بقدرة كتائب القسام على الاستمرار في إطلاق الصواريخ بلا توقف، رغم عمليات جيش الاحتلال.
انتصار بالنقاط
ورغم محدودية ما قد تحدثه هذه الصواريخ من خسائر بشرية أو مادية، في التجمعات التي تطلق نحوها حتى الآن، نظراً لبدائية صنعها؛ فإنّ تأثيرها بحسب المراقبين يبدو أكبر في الجوانب النفسية والمعنوية. وتأكيداً لهذا الاستنتاج من داخل المجتمع الصهيوني؛ يرى المحلل الصهيوني الشهير إليكس فيشمان، إنّ "حماس" حققت حتى الآن "انتصاراً بالنقاط"، رغم ما يشير إليه من فارق هائل بين قصف أهداف بسيطة (الذي يتم بإطلاق صواريخ القسام)، وقصف بالطيران الحربي ( من قبل جيش الاحتلال)، معتبراً أن الحركة سجّلت مكسباً معنوياً ودعائياً تمثّل في إفراغ مغتصبة "سديروت" من سكانها.
المغتصبات مرتهنة بيد المقاومة
ويمكن رصد التأثيرات النفسية لصواريخ المقاومة على النحو التالي:
ـ أولاً: إحداث حالة من الذعر والخوف في صفوف سكان المغتصبات المستهدفة. وبحسب إحصاءات الاحتلال فإنّ عدد الجرحى والمصابين بحالات هلع وهستيريا بلغ مائتي حالة في مغتصبة "سديروت" بسبب الصواريخ، وكثير من عائلات المغتصبين اضطرت لمغادرة المغتصبات إلى أماكن أكثر توغلاً في العمق الصهيوني حفاظاً على أمنها. وقد وصل الأمر إلى ما هو أبعد من ذلك؛ إذ أفادت الإذاعة العبرية برحيل أربع عشرة أسرة صهيونية من مغتصبة "سديروت" إلى إيطاليا بشكل نهائي، فيما يواصل المغتصبون الموجودون فيها البقاء في الملاجئ، مع استمرار توقف المدارس عن العمل.
ـ ثانياً: اعتراف قيادات العدو بعجزها عن إيقاف إطلاق الصواريخ بحسب ما ورد من تصريحات على لسان رئيس الحكومة الصهيونية إيهود أولمرت ووزير حربه عامير بيرتس، وشعور المجتمع الصهيوني بالإحباط إزاءها، وهو ما يجعل المغتصبات "رهائن بيد المنظمات الفلسطينية" بحسب صحفيين صهاينة. ويستنكر الصحفي الصهيوني زلمان شاؤول، من صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، ما ورد في على لسان المسؤولين الصهاينة بهذا الخصوص من قبيل قولهم "حاولنا بكل الطرق دون فائدة" لمنع الصواريخ. ويعتبر شاؤول ذلك أمراً محرجاً من وجهة نظره، لأنه "يعزز من تهوّر أعدائنا"، مقابل تعزيز "الشعور بالعجز" في أوساط الكيان الصهيوني على حد تعبيره. ويرى شاؤول أنّ ما يجري في "سديروت" وغربي النقب يحمل قدراً من الخطورة خاصة في المضامين المستقبلية، يعادل برأيه ما حمله تقرير "فينوغراد" عن سلسلة الإخفاقات العسكرية الصهيونية إبان حرب لبنان العام الماضي.
ويلاحظ المراقبون أنّ هناك تخبّطاً صهيونياً إزاء مواجهة موجة الصواريخ القسامية خلال الفترة الحالية، ومخاوف لدى كل طرف داخل الكيان الصهيوني من تداعيات أي سيناريو يمكن اعتماده، أو الإخفاق الذي يمكن أن يواجهه، اعتماداً على خيارات سبق للاحتلال أن جرّبها وفشل فيها، في مواجهاته لوقف صواريخ أو قذائف أو عمليات المقاومة. ومن الخيارات المطروحة؛ العملية البرية الواسعة، والسيطرة على مناطق محدودة في قطاع غزة، واغتيال المقاومين الذين يتولّون إطلاق الصواريخ، واغتيال القيادات السياسية لحركة "حماس"، والحلول التكنولوجية لمواجهة الصواريخ , أو الحد منها، .. ولكنّ "الوصفة السحرية" لا تكمن في أي من هذه الخيارات التي سبق تجريبها بلا جدوى
جيل جديد من الصواريخ
ـ ثالثا: خشية الاحتلال وسكان المغتصبات من المستقبل المرتبط بقدرة الفصائل الفلسطينية على تطوير صواريخها، أو الحصول على صواريخ متطورة، ما يوفر لها الإمكانية لضرب أهداف أخرى في العمق الصهيوني، وتفعيل استخدام هذا السلاح على نطاق أوسع.
ولا بد للمراقب أن يرصد في هذا الصدد حجم الخسائر التي أوقعتها صواريخ المقاومة خلال أسبوعين ـ رغم بدائيتها ـ مقارنة بالماضي، وتمثل ذلك بمصرع اثنين من المغتصبين الصهاينة، وجرح ما يزيد عن مائتين منهم، فضلاً عن الأضرار المادية الأخرى التي لحقت بالمباني والمنشآت، أو نجمت عن تعطل الأعمال.
وتفسيراً لما سبق؛ فإنّ مصادر المقاومة لا تخفي في بياناتها أنّ صواريخ القسام صارت أكثر دقة في إصابة أهدافها، وأقوى من الناحية التدميرية من جهة، نظراً لتراكم خبرتها التصنعية، كما لا تخفي امتلاكها لمخزون كبير من الصواريخ يكفيها لضرب الأهداف الصهيونية لفترة طويلة من جهة أخرى، علاوة عن التطوّر الملفت للانتباه في غزارة الإطلاق (مئات الصواريخ)، وتحجيم قدرة الاحتلال في الوصول إلى مطلقي الصواريخ. وقد أشار الناطق الإعلامي باسم كتائب القسام، أبو عبيدة، إلى قدرة الجناح العسكري لحماس "على الاستمرار لفترة طويلة في ضرب المغتصبات الصهيونية بلا توقف"، وأرجع فشل الاحتلال في استهداف المجاهدين، ومطلقي الصواريخ، إلى "التجربة والخبرة التي اكتسبها المجاهد الفلسطيني". وأكد المتحدث على نية كتائب القسام تطوير جيل جديد من الصواريخ في المرحلة القادمة يصل إلى ما بعد مدينة عسقلان المحتلة سنة 1948 (21 كيلومتراً شمال مدينة غزة على البحر المتوسط).
سقوط المشروع الصهيوني
وكتعبير عن القلق الصهيوني المتصاعد من الآثار التي أحدثتها صواريخ القسام، والإحساس بتنامي أخطارها، أطلق رئيس بلدية مغتصبة "سديروت" الصهيونية إيلي مويال، تحذيراً مما سماه "سقوط المشروع الصهيوني برمته"، بسبب الصواريخ التي تطلقها حركة "حماس"، داعياً المؤسسة الأمنية والعسكرية بالكيان إلى أن تساهم في زيادة عدد المغتصبين في "سديروت"، لا أن تسمح أو تسهل إفراغها منهم.
ويبدو أنّ شدة وطأة الضربات الموجعة التي لحقت بالمغتصبات المحاذية لشمال قطاع غزة بفعل صواريخ المقاومة، وضغط الرأي العام الصهيوني الذي يطالب رئيس حكومة الاحتلال بلجمها بالطرق العسكرية أو الدبلوماسية، باعتباره مسؤولاً عما يسمى بـ "أمن المواطن الصهيوني"؛ جعلت أولمرت يصعِّد من نبرة تهديداته، ضد القيادات السياسية لحماس، بتأكيده على أنه "لا حصانة لأحد"، مشيراً بذلك إلى تهديدات جيشه باستهداف قادة سياسيين ومسؤولين حكوميين من الحركة، بما في ذلك إسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني ذاته.
كتائب القسام تتحدى الاحتلال
لكنّ حركة "حماس" لا تبدو عابئة بتهديدات الاحتلال، وهي ما تزال مستمرة في إطلاق الصواريخ القسامية. وفي تحدٍّ واضح قامت كتائب القسام بتكريم أعضائها الذين أطلقوا الصواريخ على مغتصبة "سديروت". وتعتقد كما ورد على لسان الناطق الإعلامي لكتائب القسام بأنّ "الاحتلال أضعف وأعجز من أن يوقف صواريخ القسام" أو أن يصبر على ضربات المقاومة.
ونظراً للأهمية الاستراتيجية والتكتيكية لصواريخ القسام؛ فقد كانت هناك مطالبات صهيونية وأمريكية بوقف إطلاق تلك الصواريخ تجاه تجمعات الاحتلال وقد تضمّنت "خطة دايتون" الأمريكية مطلباً بنشر قوات من حرس الرئاسة الفلسطينية، لمنع المقاومين من إطلاقها، على طول الخط الذي يفصل قطاع غزة عن الأراضي التي يحتلها الكيان الصهيوني وبدلاً من ممارسة الضغوط عليها بشأن الصواريخ؛ حوّلت "حماس" وفصائل المقاومة هذا السلاح إلى ورقة تفاوضية بيدها، وقد رفضت الحركة أي تهدئة جديدة مع الكيان الصهيوني، ما لم تكن شاملة لغزة والضفة ومتزامنة ومتبادلة، كما رفضت إيقاف إطلاق الصواريخ من غزة، ما لم توقف سلطات الاحتلال عدوانها. وفي هذا السياق قال ممثل "حماس" في المكتب المشترك أيمن طه "إنّ إطلاق الصواريخ على الكيان الصهيوني وسيلة دفاع عن الشعب الفلسطيني"، مشترطاً أن يوقف العدو اغتيالاته وقصفه الجوي أولاً، ليكون بإمكان الحركة بعد ذلك دراسة التهدئة.
وكان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قد عرض على الفصائل الفلسطينية مقترحاً بتهدئة متبادلة، لمدة شهر مع الكيان الصهيوني، يشمل وقف الهجمات الفلسطينية بالصواريخ انطلاقاً من غزة، مقابل وقف الاحتلال للغارات والهجمات والاغتيالات والاختطافات، التي ينفذها بحق الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية.
تصريحات فلسطينية خطيرة
وفي الوقت الذي تتعاظم فيه الشكاوى الصهيونية من صواريخ المقاومة، ويطالب فيه الشارع الصهيوني بوضع حد لها بالوسائل التفاوضية أو العسكرية، ويهدد الاحتلال باغتيال رموز سياسية من "حماس" في الداخل والخارج، وشخصيات حكومية بمن فيهم رئيس الحكومة الفلسطينية إسماعيل هنية ما لم تُوقَف الصواريخ، كتعبير عن مدى ضيقه من نجاعة هذا السلاح، كما سبقت الإشارة؛ أبدت شخصيات وفصائل فلسطينية استغرابها واستهجانها من وصم هذا الصواريخ بـ"الحمقاء" على لسان الشخصية المثيرة للجدل ياسر عبد ربه، ومن الغمز واللمز بها، أو التقليل من شأنها، والمطالبة بوقفها من قبل آخرين، وقد اعتبرت حركة الجهاد الإسلامي هذه التصريحات "مساسا خطيرا" بثوابت الشعب الفلسطيني وحقه في الدفاع عن نفسه.
وكان عبد ربه قد قال في حديث للإذاعة العبرية قبل أيام؛ إنّ الصواريخ لا علاقة لها بمقاومة الاحتلال إطلاقاً، ذاهباً إلى حد اعتبار أنها تُطلَق للتغطية على مخططات داخل غزة لتوسيع مساحة السيطرة والنفوذ لبعض الفصائل، على حد زعمه، مطالباً بوقفها لأنّ المستفيد منها هو الكيان الصهيوني، وفق وجهة نظره.
الورقة الأشرس
ومنذ إطلاق أول صاروخ قسامي في 26 تشرين الأول (أكتوبر) 2001 (بعد عام على اندلاع انتفاضة الأقصى) تنبهت وسائل إعلامية غربية إلى النقلة النوعية الاستراتيجية التي سيحدثها هذا السلاح، في أداء وتكتيكات المقاومة الفلسطينية. وبعد أكثر من خمس سنوات على تصنيع النسخة الأولى منه "قسام 1" والجهود الذي بُذلت لتطويره، وبروز قوته الردعية بشكل أكبر؛ فإنّ الجدل في الكيان الصهيوني يزداد حوله، سواء من حيث استماتة المؤسسة الأمنية لسلطات الاحتلال في عدم وصوله للضفة الغربية، أو من خلال سعي خبراء التصنيع والتقنية لابتكار صواريخ بوسعها اعتراضه وكشفه، أو من حيث بذل كلّ السبل السياسية والدبلوماسية والعسكرية للحدّ من إطلاقه، وهو ما يؤكد، وفقاً لفصائل فلسطينية، أنه مثل إبداعاً للمقاومة في مواجهة العدوان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق